Skip to main content

بلا حضن.. أيتام غزة يواجهون الحياة وحدهم

 

غزة – تجلس الطفلة دعاء (7 أعوام) بجانب شقيقها أنس (5 أعوام)، متشبثين بجدتهما نجاح على بساطٍ رقيق داخل خيمة صغيرة في مخيم البركة جنوب القطاع. كأنهما يبحثان في حضنها عن الأمان الأخير، بعد أن فقدا والديهما وإخوتهما في قصفٍ جوي دمّر حيّهم السكني في رفح خلال الأيام الأولى من عدوان 7 أكتوبر 2023.
ثلاث مرات نزحت العائلة هربًا من الموت، إلى أن انتهى بها المطاف إلى هذه الخيمة الهشة، التي لا تقي من حر النهار، ولا تصدّ برد الليل.

 

وبصوت مرتجف بالكاد يُسمع، تقول الجدة:
"ما بقدر أوفّر إلهم شي... بس بعمل المستحيل لأخليهم يحسّوا إنهم مش لحالهم."
ينام الطفلان وهما يسألان عن زالديهما، ويستيقظان على غياب لا يتوقف عن الاتساع.
وينطبق حال دعاء وأنس على أكثر من 39,000  طفل في غزة فقدوا أحد والديهم أو كليهما، بحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، من بينهم نحو 17,000  طفل حُرموا من كلا الوالدين. ويعاني معظمهم اليوم من غياب الرعاية الملائمة، وسط ظروف نزوح قاسية تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات العيش الإنساني. 

 

 

الطفولة في غزة لم تعد مجرد مرحلة من مراحل الحياة، بل تحوّلت إلى اختبار يومي للبقاء.
جنى أبو ريالة، طفلة في العاشرة من عمرها، كانت تحمل حقيبتها الصغيرة وتُمسك بيد والدها، وهي تحاول مع أسرتها الهروب من جحيم الحرب نحو الجنوب. لكن الطريق الذي كان يُفترض أن يقودهم إلى الأمان، انقلب فجأة إلى جحيم آخر. سقط صاروخ على السيارة التي كانت تقلهم، وفي لحظة واحدة، فُقد كل شيء. استُشهد والد جنى، ووالدتها، وشقيقها التوأم — رفيق طفولتها، وسندها في الحياة. وحدها جنى بقيت على قيد الحياة، محاطة بأجساد أحبّتها، صامتة، مذهولة، عاجزة عن البكاء، أو حتى الفهم. يومان كاملان قضتهما جنى وحيدة… في حضن الموت، قبل أن يصل إليها أحد.
لم تكن مجرد نجاة، كانت بداية لحياة جديدة بلا ملامح، بلا دفء، وبقلب مثقل بما لا يُحتمل.تحكي عمتها، التي ترعاها الآن في خيمة على شاطئ النصيرات:
"كانت تنزف، ولولا إنو شافها نازح ووداها عالمستشفى، ما كنا منعرف إنها نجت."
اليوم، تعيش جنى وعمتها دون معيل، في خيمة تفتقر إلى الأمان والغذاء والدواء. تقول العمة:
"كثير بتتذكر أخوها... وبتسألني كل يوم عن أمها. محتاجة أكل، تعليم، علاج، وأنا عاجزة."
مثل جنى، آلاف الأطفال في غزة وجدوا أنفسهم في قلب الحرب، بلا حماية، بلا سند. لا يكفي أنهم فقدوا من يحبون، بل يواصلون حياتهم وسط صدمات متلاحقة: ألم الفقد، وغياب الرعاية الصحية، وحرمان من التعليم، ونقص في الغذاء والماء.
 
هي طفولة معلّقة بين الركام، تبحث عن دفء، وعن فرصة للنجاة… وعن حياة.

 

نور ليس البداية… بل امتدادٌ لـ16 عامًا من رعاية الأيتام في غزةاستجابة لهذه المأساة الإنسانية غير المسبوقة، أطلقت مؤسسة التعاون برنامج "نور – رعاية أيتام غزة"، والذي يستهدف  20,000  طفل فقدوا والديهم خلال الحرب الأخيرة. يوفّر البرنامج خدمات شاملة تشمل الغذاء، التعليم، الدعم النفسي، والرعاية الصحية، لضمان العيش الكريم لهؤلاء الأطفال، وتمكينهم من بناء مستقبل أفضل.
وتقول مها محيسن، مديرة برنامج "نور – رعاية أيتام غزة" في مكتب التعاون بغزة:
"نحن لا نتحدث عن حالات... بل عن وجوه، وعيون، وأطفال خسروا كل شيء. برنامج نور يحاول أن يكون صوتًا لهم، وسندًا لمن لا سند له."
ويمتد برنامج "نور" من تجربة طويلة تراكمت عبر سنوات من العمل الميداني والإنساني العميق مع أيتام غزة. فقد أطلقت مؤسسة التعاون في عام 2008 برنامج "مستقبلي"، استجابة مباشرةً لتداعيات عدوان 2008، حيث استهدف البرنامج رعاية آلاف الأيتام الذين فقدوا آباءهم في تلك الأزمة، مقدمًا لهم دعمًا شاملًا يشمل التعليم، الرعاية الصحية، والدعم النفسي والاجتماعي، لضمان استقرارهم وتمكينهم من مواجهة تحديات الحياة.
 
وفي عام 2014، جاءت تجربة "وجد"، التي جاءت إثر عدوان جديد على غزة، لتكرس نهجًا منهجيًا أكثر تطورًا في رعاية الأيتام، مع التركيز على بناء قدراتهم وتمكينهم من تجاوز الصدمات النفسية والاجتماعية، إلى جانب تقديم خدمات غذائية وصحية متكاملة.
 
وهكذا، ينسج برنامج "نور" اليوم هذه الخبرة العميقة والمتراكمة، ليكون ثالث برنامج متخصص ومستدام في تقديم رعاية متكاملة لأيتام غزة، مع التأكيد على نهج شمولي يستهدف ليس فقط تلبية الحاجات الأساسية، بل بناء مستقبل أفضل للأطفال الذين فقدوا السند.
 

شارك معنا الآن.

أينما كنت.

بأي طريقة تناسبك.